رئاسة الجمهورية : مليارات لقصر بلا صلاحيات الخميس 10 ماي 2012 الساعة 14:28:40 بتوقيت تونس العاصمة في
العُرف السياسي تُعرّف «رئاسة الجمهورية» كمؤسسة سيادية ذات بعد رمزي, اما
المعطى السيادي في هذه المؤسسة فيفترض في بعده الاجرائي أدوات تؤسس للثقل
المادي لهذه المؤسسة ,في حين يتعلق البعد الرمزي بالمخيال الشعبي الذي
تشكلت فيه صورة متناهية الدقة للرئاسة. المجلس التاسيسي كمؤسسة نيابية تتداخل ابعادها التشريعية والتاسيسية
والتقريرية ..مما يجعلها تختزل مفهوم الاولوية في التراتبية السياسية تكتسي
اهمية قصوى في مقابل تقهقر المؤسسة الرئاسية من حيث الصلاحيات والنفوذ
والثقل ..لكن هذا المعطى لم ينعكس في الميزانية الحالية حيث فاقت ميزانية
رئاسة الجمهورية ـ 71 مليارا ـ الميزانية المخصصة للمجلس التأسيسي ـ 22
مليارا ـ بثلاث مرات.«الشروق» رصدت اراء بعض النواب في هذا الفارق بين
الميزانيتين.
مؤسسة سيادية قال الفرجاني دغمان رئيس اللجنة المالية في المجلس التاسيسي ان هذه
الميزانية تم اعتمادها منذ السابق واشار إلى انه «لكي لا ننسى فهذه
الميزانية مخصصة لمركز سيادي وله عديد المتطلبات « واضاف انه لا بد من
المحافظة على هذه المؤسسة السيادية وقال «نحن متاكدون من ان هذه الميزانية
لن تفضي الى نفقات غير مبررة ونتمنى ان تكون كل النفقات مرصودة بشكل واضح
ولانعتقد ان يكون هناك تبذير في الميزانية».واضاف «لعل ما يشكوه العملة
داخل مؤسسة الرئاسة والذين اضربوا واحتجوا وطالبوا بتسوية وضعياتهم دليل
على ان هناك متطلبات ملحة لا بد من الاستجابة لها .»
اقترح ان يتبرع الرئيسبنصف الميزانية وقال نائب المجلس التاسيسي عن الحزب الديمقراطي التقدمي محمد ناجي غرسلي
ان الميزانية المرصودة لرئاسة الجمهورية «فوق الخيال» وتتناقض مع تصريحات
الرئيس واشار الى ان منصف المرزوقي عندما تولى رئاسة الجمهورية قال انه
سيتبرع بجرايته الشهرية, وقال «انا مستغرب كيف تخصص هذه الميزانية لشخص
مارس النضال ويعتبر ضد البذخ والترف».
وقال محمد ناجي ناجي غرسلي «لم يبق في السنة كثير من الوقت ولذلك اقترح
ان يتبرع الرئيس بنصفها للتمويل الذاتي وللشباب المعطل عن العمل لفتح افاق
التشغيل اذا كان يريد دعم المشاريع الخاصة».. وأوضح انه يمكن التبرع بهذا
المبلغ في قالب قروض اوالى صندوق ما لتمويل المشاريع ..
حملة انتخابية على حساب الدولة وقالت نادية شعبان نائبة المجلس التاسيسي عن القطب الحداثي ان الميزانية
المخصصة لرئاسة الجمهورية تتناقض مع التصريحات التي تؤكد ان تونس تفتقر
الى السيولة المالية وعلقت على ذلك قائلة ان «الميزانية المخصصة لرئاسة
الجمهورية في تونس اكثر من الميزانية المخصصة لرئاسة المانيا».. وأضافت ان
العدد المهول للمستشارين في رئاسة الجمهورية «يوحي وكأنهم يمثلون حكومة
موازية» واكدت ان تونس في مرحلة انتقالية وهذا ما يفرض التقشف وارساء سلوك
جديد في التعامل في الشان السياسي ..موضحة ان ما يحصل الان اعادة لما حصل
سابقا.
وأضافت نادية شعبان ان التبرع بثلث هذه الميزانية يوفر 6 الاف موطن شغل
..وقارنت هذه الميزانية بالميزانية المخصصة للمجلس التاسيسي وقالت «نواب
المجلس التاسيسي يعانون من ظروف عمل صعبة ويفتقرون حتى الى قاعات يجتمعون
فيها.. مشيرة الى ان نواب المجلس التاسيسي يفتقرون الى امكانيات للعمل في
حين ان الميزانية المخصصة لرئاسة الجمهورية اكثر بثلاث مرات من ميزانية
المجلس التأسيسي, بالرغم من ان هيكل المجلس التأسيسي أثقل.كما اشارت الى ان
رئيس الجمهورية يحضر لحملته الانتخابية على حساب الدولة وهذا ما يفسر تضخم
عدد المستشارين.
الشعب ينفق على جيشمن المستشارين وقال الناصر ابراهمي من «تيار تصحيح المؤتمر من اجل الجمهورية» على حد
تعبيره, ان مارصد من ميزانية لرئاسة الجمهورية مبلغ فيه افراط خاصة بحكم
الصلاحيات والوظائف الضعيفة لرئاسة الجمهورية واضاف ان «التنظيم المؤقت
للسلط اعاق رئاسة الجمهورية في ان تكون لها وظائف فعلية حقيقية وان هزال
الصلاحيات لهذه المؤسسة يتناقض بصفة صارخة مع الحشد الكبير لجيش ممن يسمون
بالمستشارين والملحقين بالقصر ..كما اضاف ان هذا العدد الضخم الذي يتكفل
الشعب بدفع نفقاته لا يستجيب لاهداف الثورة التي قامت من اجل رصد كل
الطاقات لفائدة التشغيل اولا وتخفيف عبء وغلاء المعيشة على المواطنين».
وقال نائب المجلس التأسيسي عن حركة الشعب مراد العمدوني ان هذه
الميزانية تتناقض كليا مع ما اعلنه رئيس الجمهورية من انه سيسلك سياسة تقشف
فهذا المبلغ المرصود لا يعكس حقيقة الصلاحيات التي تنظم هذه المؤسسة
..واضاف انه «لايعقل ان مؤسسة بلا صلاحيات تستهلك نسبة كبيرة من ميزانية
الدولة في ظرف اقتصادي حساس يشهد ارتفاعا مرعبا في عدد العاطلين عن العمل
وظروف اجتماعية قاسية في مناطق تفتقد الى ابسط مقومات الحياة ...».وأشار
الى انه «اذا كان الرئيس بلا صلاحيات يجب ان يعطي الصلاحيات والامكانيات
لمؤسسات أخرى».
تناقض بين التصريحات والميزانية المرصودة قال نائب المجلس التاسيسي المستقل فيصل الجدلاوي ان الميزانية المخصصة
لرئاسة الجمهورية مضخمة مقارنة مع الميزانية المخصصة للمجلس التأسيسي الذي
يضم عددا كبيرا من الموظفين والنواب..واشار الى انه من المفروض ان تكون
ميزانية المجلس التاسيسي اكثر من ميزانية رئاسة الجمهورية.
واضاف انه مهما يكن وفي جميع الحالات فهذا المبلغ ضخم وحتى ان كانت تونس
لا تعاني ازمة اقتصادية ..واشار الى ان الوضع الحالي يتطلب منا تظافر كل
الجهود لتوفير دعم المشاريع التنموية نظرا لارتفاع عدد العاطلين عن العمل
..كما اوضح فيصل الجدلاوي ان رئيس الجمهورية في خطاباته الاولى كان من اكثر
الشخصيات التي تحدثت عن التقشف كما تحدث عن التبرع بجرايته وبيع
القصور..واشار الى التناقض الحاصل بين ما صرح به سابقا والميزانية المعتمدة
لرئاسة الجمهورية.واضاف في ختام حديثه انه «اذا كنا نرغب في التقدم وتجاوز
الازمة فيجب ان تكون خطاباتنا مسؤولة وفي مستوى التطلعات.»
هولاند خفّض ميزانيةالرئاسة 30 بالمائةقال نائب المجلس التأسيسي عن العريضة الشعبية المولدي الزيدي ان فرانسوا
هولاند في اول مشواره كرئيس لفرنسا قرر تخفيض ميزانية الرئاسة الفرنسية 30
بالمائة واشار الى ان حتى المواطنين في اوروبا يريدون المشاركة في ميزانية
الدولة بينما في تونس «هناك مواصلة في حماية رؤوس الاموال الفاسدين
والمتهربين وحماية الميزانية التكميلية 2012».
وأضاف ان مؤسسة الرئاسة تتضمن عددا ضخما من المستشارين بينما تونس في
اشد الحاجة الى الضغط على المصاريف.. وأشار الى ان رئيس الجمهورية «مغلوب
على أمره» فهو لا يستطيع تطبيق التقشف عندما يجد ان الكل يستنزف اموال
الدولة «فالأكيد انه سينساق». ثم قال ان «خلاصة القول تتمثل في ان
الميزانية التكميلية فصل آخر من فصول المسرحية التي تعرض من اول جلسة وتعمق
الفارق بين الفقير والغني والشعب التونسي ينتظر وأتمنى ان لا يطول انتظاره
لثورة جبائية حقيقية فانهضوا بالسعد الراقد للزوالي.
سرحان الشيخاوي