خاص لـ «الشروق» : صابر الحمروني (أحد محكومي أحداث باب سويقة 91) الأربعاء 09 ماي 2012 الساعة 11:06:40 بتوقيت تونس العاصمة تونس (الشروق) للحقيقة
وجوه عدّة.. وجه يخطط له النظام وأخر يوظّفه الاعلام وثالث يدخل أروقة
المحكمة ورابع لا يعرفه إلا من عايش وجع الظلم والقهر.. وخامس يدونّه
مؤرخون تحت الطلب.. لكن الحقيقة كل الحقيقة تحتاج الى ثورة فكرية لكشف
المستور كما هو بإيجابيات وسلبياته... «..نعم خططنا لأحداث باب سويقة وقررنا الاستيلاء على الوثائق التي تحمل
أسماء أبناء الحركة وإن فشلنا نحرقها ولكننا لم نقتل أي شخص.. المنصف
الشلّي أملى علينا اعترافاتنا بخط يده وضربنا في الطابق الثالث للداخلية،
أردنا رد الاعتبار، للشيخ مورو الذي أهانوه ضربا فأصدر فينا بيان الدم في
91 الذي ورطنا فأعدموا ثلاثة منا فكنا نحن مجموعة باب سويقة وراء إقصائه
من المركزية الحزبية.. بعد 14 جانفي.. حتى شهود العيان الحقيقيين لم تسّجل
المحكمة كلامهم والقاضي الفلاح رفض اصدار حكم ظالم فينا.. نحن مجروحون ألما
ومستعدون للمحاكمة من جديد».
هكذا استهل صابر الحمروني كلامه في أول تصريح يخرج للاعلام بعد اكثر
من عشرين عاما قضى منها 15 سنة سجنا من مدينة الى اخرى والبقية سراحا
شرطيا.. تحدث بألم والف سؤال يقطع كلامه بين الفينة والاخرى كيف حدث هذا؟
كيف ورطنا بن علي في حادثة باب سويقة؟ من هم أصحاب الاحذية «البوردكان»
لماذا اخفى عون الأمن مسدسه واخلى سبيل احد الفارين؟ وهل كانت العملية
كمينا متقنا باحكام؟ وهل وجد خائن بداخل المجموعة ما يزال مجهولا الى
اليوم؟ومن قتل عمارة العباسي؟ ولماذا تجاهل الجميع شهادة الحارس الثالث؟
والاهم من أضرم النيران وفجّر جهاز التلفزيون؟قبل التخطيط لعملية باب
سويقة ما الذي أجّج الفكرة وكيف جالت ببالكم..؟
يقول صابر «كنت في التاسعة عشر ربيعا تلميذا بالمعهد الفني بباب العلوج
وكنت من ابناء الحركة. ننشط تلمذيا كما ننشط ترابيا في حلقات الدروس
الدينية.. وكان بن علي قد انطلق في اكتوبر 90 في حملات اعتقال واسعة لضرب
الاسلاميين فاعتقل قادة الحركة ومنهم علي العريّض كما انقطعت اواصر كل
الاتصالات بين القواعد الشبابية وبين كبار السنّ مثل الشيخ راشد وغيره
ووجدنا أنفسنا وحيدين ومعزولين نتألم كل صباح مما الت اليه الاوضاع فتحررت
بذلك مبادرة كل واحد منا كمجموعات صغيرة فقط تحدنا خطوط حمر هي لا للعنف
لا للقتل مهما كان».
في تلك الفترة لا حظنا تغلغل الشبيبة المدرسية في المعاهد فقررنا ان
نرسل واحدا منا كي يصبح عيننا من داخل الحزب الحاكم ونجحنا في ادماج صديق
لنا داخلهم اخترق صفوفهم واقترب من قيادات الحزب الحاكم الشبابية خاصة عبد
الرحيم الزواري، وذات مساء أبلغنا بوجود ملف امني كامل داخل مقر لجنة
التنسيق به قائمات بأسماء ابناء الحركة المخطط اعتقالهم ومداهمة بيوتهم..
ايامها انقطعت علاقتنا بالقيادات فبقينا نفكر كيف نساهم في إنقاذ أبناء
الحركة من التعذيب والاعتقال ؟
ثلاثة أهداف وراء عملية باب سويقة ثلاثة اهداف كانت وراء عملية باب سويقة هكذا أكد صابر مضيفا: «الهدف
الاول كان الاستيلاء على الملف الذي يضم اسماء ابناء الحركة وحرق كل
الاوراق ان لزم الامر الهدف الثاني كان رد الاعتبار للاهانة التي تلقاها
الشيخ مورو وهو قيادي من قيادات المدينة حيث اعتقلوه يوم 9 فيفري 90 وضربوه
(لكنه طعننا في ما بعد من الخلف) والهدف الثالث أردنا أن نقول لنظام بن
علي انه حتى بشبيبته المدرسية التي تغلغلت في دروسنا المدرسية فاننا مازلنا
على العهد وان ابعدوا قياداتنا فنحن قواعد بامكانها ان تتحرك وتساهم وأنه
فاشل فاشل..
في الحفصية كان التخطيط ومكتب باب سويقة للمساندة سألنا صابر كيف انطلقت عملية التخطيط وماذا كان في البرنامج ولماذا تراجع هو نفسه عن التنفيذ ؟
«لم تكن عمّلية تراجع ولكني كنت رفضت تنفيذ العملية لما لها من مخاطر
خاصة بعد علمنا بوجود حارسين مسلّحين بسلاح ناري. (ميليشيا مسلحة).وقد تحول
مقر لجنة التنسيق من مقر حزبي الى وكالة استخبارات مهمتها فقط التجسّس على
حركة الاتجاه الاسلامي حتى مصطفى بن حسين رحمه الله (تم اعدامه في اكتوبر
91) مسؤول مكتب الحفصية كان رافضا للعملية لكنه امام التصويت بالاغلبية
للتنفيذ انصاع لقرار الاغلبية.. في المخطط قررنا ان نتسلل الى مقر لجنة
التنسيق وكان في برنامجنا ان تتولى مجموعة منا حراسة اعوان الحراسة الاربعة
المتواجدين ليلا بالمكان ويتولى البقية حراسة المكان من الخارج على ان
يقوم اثنان بالبحث عن الوثائق وان فشلنا يقوم احد الشبان بسكب البنزين ارضا
وكانت هذه مهمة محمد الهادي على ان يقوم (م ر ) باشعال النار.. فكانت
الكارثة أن اشتعلت النيران فجأة.
تنفيذ العملية في الساعة الصفر 17 فيفري حوالي الخامسة والنصف فجرا توجهت المجموعة
التي لم تكن كلها تعرف بعضها البعض بسبب لباس الاقنعة على الوجه الى
المكان نصفها كان يحمل شارة حمراء وهي المكلفة بدخول مقر لجنة التنسيق
والبقية الشارة الخضراء للحراسة على ان لا تدوم العملية بضع دقائق وفعلا تم
انزال حارسين الى الباحة السفلية بالمكان وصعد محمد الهادي الذي تولى سكب
البنزين صعودا عبر المدرج.. لكن فجاة والعملية لم تدم بعد دقيقتين فوجئ و
(م ر) بالنيران تشتعل بالمكان رغم انه لم يشعلها مع سماع دوي انفجار فلاذ
الجميع بالفرار بعد اصابة بعضهم بحروق.
كانت الصدمة كبيرة فالمكلف باشعال النار لم يضرمها.. والنيران اشتعلت
واصابت حارسين كانا بالطابق العلوي لم يتفطن لهما الشبان كان مختفيان داخل
احدى المكاتب حيث انفجر التلفاز بسبب مازلنا نجهله الى اليوم وبقي سرّا.
أسرار مخفية في دواليب أسرار بن علي يسكت صابر قليلا مسترجعا تفاصيل ما تزال بالذاكرة ليحدثنا عن خفايا
بقيت مجهولة الى اليوم بالقول: « بالمكان تواجد احد ابناء الحركة المتنكر
في هوية تجمعي وشاهد بأم عينه الحارس عمارة ينزل راكضا من عبر المدرج
المشتعل صارخا طلبا للنجدة.. حينها حاول احد رفاقه اطفاءه بان القى عليه
قماشا تبين وانه بلاستيكي ولم تحضر الحماية المدنية الا بعد اكثر من
ساعتين أي بعد قدوم وكيل الجمهورية الذي اجرى المعاينة الموطنية والتي تؤكد
ان الحارس لم يكن موثوق اليدين واستمعت النيابة العمومية الى تصريحاته..
وحالته لم تكن تنذر بالهلاك فكيف توفي وماذا في تقرير الطبيب الشرعي؟
اللغز الثاني ان الحارس الثاني الذي اصيب بدوره بحروق وتوفي بعد سنوات
ستّ من الحادثة حضر في جلسة المحاكمة وصرح بكلام لم يحاول القاضي الجالس
ان يستمع اليه فقد اكد ان مجموعة هاجمته في نفس الوقت الذي تسللت فيه
مجموعتنا الى مقر الحزب وكانت تلبس احذية «بورتكان» وكانت تسب وتلعن وتلبس
أقنعة على الوجه والحال ان لا احد من ابناء الحركة كان يلبس حذاء مشابها
فمن هم؟ وما سبب تواجدهم داخل المقر في تلك الساعة المبكرة؟
اللغز الثالث انه اثناء عملية الهروب تعارض احد الشبان مع عون امن وضع
له مسدسا في راسه ثم قال له ان لا تعليمات لقتله واخلى سبيله وهو ما جعل
الامر يتضمنّ سرا فعلا.
هاته الاشياء الغريبة جعلتنا نقتنع ان طرفا ثالثا اوقع بنا وكان عالما
بقدومنا فخطط لجريمته لتوريطنا متبوعة بحملة اعلامية مدروسة قدمونا إثرها
كإرهابيين..
فالنار اشتعلت دون ان نضرمها وفوجئنا من بعد بوسائل الاعلام تشوه
الحقيقة وتقول أن المجموعة شدّت وثاق الحارس وسكبت عليه البنزين واحرقته
وكانت الحادثة دافعا لنظام بن علي كقضية رأي عام لاعتقال الالاف من ابناء
الحركة وتعذيبهم والزجّ بهم في السجون طيلة عقدين من الزمن.
هكذا تمت عملية الايقاف الاولى يضيف صابر بتنهيدة كبيرة «لم تكن عملية الايقاف عادية فقد هرب اثنان من
المجموعة عبر الطريق العام وليس عبر أنهج المنطقة وبالقناع على الوجه وصادف
وجود دورية امنية بها رئيس فرقة أمنية وهو( ع –و) الذي كان ابنا سريّا
للحركة وهو الذي قام بعملية ايقاف الشابين معتقدا انهما لصّان ونقلهما الى
بوشوشة دون ان يكون له علم بالعملية.. هذا الأمني انكشف انتماؤه للحركة بعد
سنوات ثلاث من عملية باب سويقة والتحق بنا بالسجن في حكم بسنوات طويلة
تجاوزت 13 عاما.
المنصف الشّلي كتب اعترافاتنا التلفزية يعود صابر بالذكرة الى ساعات التعذيب الطويلة التي تعرضوا لها داخل
اروقة الطابق الثالث للوزارة اذ يقول : لا يمكن وصف التعذيب الذي كان قاسيا
جدا الى درجة الموت أنا هاجموا بيتي ليلا واعتقلوني تمكنوا في يومين فقط
من جمعنا كلنا وفوجئنا بسيناريو جاهز غير تفاصيل العملية الحقيقية ولمدة
سبعة أيام متتالية عذّبونا ومن ثم جاؤوا لنا بفريق المنصف الشلّي التلفزي.
وكيف لنا ان ننساه او ننسى صوت مقدم البرنامج الذي اعادنا الى الماضي
بالبرنامج الاخير « لم تسقط دولة الفساد».. زاد ذلك البرنامج في تعذيبنا
اكثر ألا يستحون فنفس الصوت تفنن في توجيه التهم الينا قبل 20 عاما ونفس
الصوت اليوم يقول اننا أبرياء فلماذا لم يصرّح بما شاهد يومها؟ وكيف أنه هو
نفسه كتب تلك الاعترافات المتلفزة بخطّ يده؟
في اليوم السابع للتعذيب كنا مستعدين لكل شيء المهم أن نغادر اروقة
الوزارة وجاء المنصف الشّلي الذي لن ننساه ووضع راية سوداء خلف ظهورنا
وبحضور «بوكاسا» كان المنصف الشلي يدوّن الكلام في ورقة ويطلب منا اعادة
روايتها انا شخصيا رفضت اكثر من مرة فما كان منه الا ان يضربني بعنف على
وجهي في الوقت الذي كان يطلب منه «بوكاسا» ان يكف عن الضرب.. نعم الجلاد
يطلب ايقاف الضرب والاعلام يضربنا وحين أصررت مثل غيري على الرفض كان
المنصف الشلي يرسلنا الى التعذيب ساعة أو ساعتين لنبقى في وضعية الدجاجة
حتى خضعنا لتعليماته..
حملة إعلامية للتشويه لقد استغل نظام بن علي حادثة باب سويقة ليجعل منها عملية الموسم التي شن
بموجبها حملة عشواء على الحركة وليجعل منا ارهابيين كان الظلم كبيرا كنا
مستعدين للمحاسبة لكن ليس على جريمة لم نرتكبها فكانت تصريحاتنا في التحقيق
هي الحقيقية.. حتى زميلنا الذي كان مدسوسا بينهم واختفى عن الانظار بعد
العملية عاما كاملا ثم تم ايقافه وحاكموه بـ 13 سنة سجنا.
«بيان الدم» وراء حكم الاعدام بعد الحادثة أصدر فينا الشيخ مورو بيانا بلغنا ونحن في السجن أطلقنا
عليه «بيان الدم» فقد ذبحنا الشيخ ببيانه واتهمنا بالمجرمين فكان البيان
سندا لبن علي لتصفيتنا.. كان التعذيب والسجن ارحم من تلك الكلمات التي
خطّها.
بعد 14 جانفي عزلتنا الحركة.. لكننا نعم هددنا الشيخ مورو وأصدرنا فيه
نحن مجموعة باب سويقة «الفيتو» بأن لا تخطو قدماه القيادة المركزية أين نحن
من العدالة الانتقالية نحن لا نريد شيئا سوى الحقيقة وكشف الاسرار
ومستعدون للمحاكمة من جديد.. نعم تألمنا لان الحركة لم تطالب بفتح الملف.
القاضي حسن بن فلاح يضيف صابر متحسرا بوجيعة البيان «القاضي حسن الفلاح وبمحكمة الاستئناف
رفض اصدار احكام فينا بالاعدام فعاقبه بن علي لسنوات لكن في التعقيب كانت
الاحكام سياسية وليست على الجريمة او كشف اسرارها بعد 14 جانفي وبعد ان
خرج القاضي الفاضل للتقاعد ذهبنا اليه وسألته لماذا تحمل وزر العقوبات ولم
يحكم علينا بالإعدام كما طلب بن علي فأجابني بكون ملف القضية الحقيقى خال
من الأدلة التي تستوجب الاعدام وانه سعيد بفعل الخير لأنه لم يتورط في قتل
الناس».
سنوات من السجن المرير يسترجع صابر سنوات شبابه في السجن : «أنا لم أشارك في تنفيذ العملية
وحوكمت في المرة الاولى بالسجن عامين مع تأجيل التنفيذ لكن قبل اصدار الحكم
وجدت بالداخلية ملفا ثانيا جاهزا لقضية عصابة مفسدين في حرق مقر شعبة
القصبة وانا بريئ منها وحوكمت بـ10 سنوات سجنا ثم في التعقيب نلت 5 سنوات
سجنا في قضية باب سويقة وفي السجن وبعد التنقل بين كل السجون أصبت ذات مرة
بحالة انهيار عصبي داخل غرفة سجن الهوارب فسقطت سيجارة من يد سجين لتحدث
ثقبا بالحشية فحاكموني بسببها 5 سنوات سجنا اضافية.. كنت مقهورا بسبب 20
سنة سجنا بسبب جرائم لم ارتكبها حتى كان ذات يوم قمت بتهشيم جهازي تلفزة
داخل السجن فحاكموني بعام اضافي.. فهدأت واحسست اني اقضي عقوبة العام
بسبب».
إضراب عام بالسجون أربك بن علي يبتسم صابر ابتسامة وراءها الشيء الكثير «خلال سنة 96 نفذنا اضرابا
عاما بالسجون كلها كمساجين من حركة الاتجاه الاسلامي فجن جنون بن علي
وارتبك نظامه كيف أمكن لنا ان ننفذ جميعنا اضرابا في نفس الوقت بكامل تراب
الجمهورية».
وختم صابر حديثه الينا : «لن يخيفنا فتح ملف باب سويقة بل هو أمل
مجموعة باب سويقة وحلمنا ومستعدون للمحاكمة من جديد المهم أن يقع فتح الملف
وأني لأطالب النيابة العمومية بفتح القضية لكشف كل تفاصيلها لأننا نحن فقط
المجموعة ندرك أننا ابرياء من جريمة القتل».
سميرة الخياري كشو