ألف عاملة أجنبية في سورية وإغلاق 33 مكتباً للعمالة
عنقــة: ضـــــــرورة التــشـــــدد فــــــي العقوبـــــات
سراب علي
أصبح وجودها لا غنى عنه عند الكثير من الأسر السورية، فالمتعلمة
ربما تجيد اللغتين الانكليزية والفرنسية وفي كثير من الأحيان تجيد اللغة
العربية الفصحى وتتكلمها بطلاقة، أما إذا كانت أميّة فمهاراتها ليست بقليلة
فهي تملك فن الطهو وفن تنسيق الحدائق...
كثيرة هي الأعمال التي تقوم بها وعديدة هي المهارات التي تملكها،
إنها (الخادمة الأجنبية) أو نستطيع القول (العاملة) أو حتى (المربية) وهي
بما تقوم به وبما تفعله تتحمل أعباء تفوق طاقتها وتواجه نتيجة تحملها هذه
الأعباء ضغوطاً نفسية قد تدفعها للانتحار أحياناً أو الهروب من المنزل الذي
تعمل فيه متجهة إلى المكتب الذي أرسلها إلى ذلك المنزل لتعمل فيه ولكن (لا
حياة لمن تنادي) ليس لفقدان القواعد والضوابط والقوانين التي تنظم عمل هذا
المكتب وتحدد مسؤولياته تجاه العاملة، بل لأن تلك القواعد والقرارات غير
واضحة بالنسبة للمكتب ذاته صاحب العلاقة حتى إنه لم يأت القرار ذو الرقم 81
لعام 2006 وكذلك المرسوم التشريعي ذو الرقم 62 لعام 2007 والقرار 108 لعام
2009 سوى لتنظيم عمل المكاتب الخاصة بعملية استقدام واستخدام العاملات
والمربيات في المنازل من غير السوريات واللواتي يبلغ عددهن حالياً في سورية
ثلاثين ألف عاملة تقريباً.
وكثيرة هي الحقوق والواجبات والالتزامات التي نصت عليها القوانين ولكن يبدو
أن فحوى تلك القوانين غير مهم وغير مرضٍ وحتى غير واضح لأن المخالفات كانت
كثيرة وأدت إلى إغلاق حوالي اكثر من 33 مكتباً لاستقدام العاملات
مؤخراً... إذاً هناك أسباب وجيهة حتى أغلقت فما هي؟
أسباب الإغلاق
يقول (مهند معلا) في مديرية القوى العاملة في (وزارة الشؤون الاجتماعية
والعمل) كثيرة هي الأسباب المتعلقة بمخالفة بعض المكاتب للقرارات المتعلقة
بالتعاقد مع العاملات وإساءة معاملة العاملة وبعضها الآخر (أي المكاتب) لم
يستكمل مبلغ الكفالة النقدية المفروض دفعه والذي تضمنه القرار 108 لذلك
أغلقت هذه المكاتب، وبعض أصحاب المكاتب هم من طلب إلغاء ترخيص مكاتبهم
لأسباب تتعلق بهم شخصياً حتى إن بعض المكاتب التي ألغي ترخيصها حصلت على
حكم قضائي بالعودة إلى العمل ولكن حتى الآن لم تمارس العمل نظراً لعدم
استكمالها دفع مبالغ الكفالة النقدية.
مستفيد وهمي
وعن السلبيات التي ظهرت في المكاتب التي أغلقت قال معلا:
هناك العديد من المكاتب لم يلتزم بالقرارات حيث إنه كان يتم تشغيل العاملات
شهرياً أو حتى يومياً وعند أكثر من مستفيد ولكن وطبقاً للبنود المنصوص
عليها في القرار السابق لا يجب أن تعمل إلا عند مستفيد واحد وبموجب عقد
سنوي وبموافقة إدارة الهجرة والجوازات وبعد التنازل عن العاملة من قبل
المستفيد الأول يجوز أن تذهب إلى مستفيد ثان وخلال مدة ثلاثة أشهر من تاريخ
دخول العاملة للقطر، فضلاً عن ذلك، هناك بعض المكاتب المرخصة كانت تستقدم
عاملات وتسلمهن لمكاتب غير مرخصة وتحت اسم مستفيد وهمي.
حالات أغفلها القرار 108
وأضاف معلا: لقد واجهنا الكثير من الصعوبات مع القرار 108 الذي كان تطبيقه
صعباً إلى حد ما، ولم يكن فيه الكثير من الشروحات، وبعض بنوده غير واضحة
وغير مفهومة لجميع الأطراف سواء أكان (المستفيد أم المكتب أم حتى العاملة)
وهناك حالات كثيرة يمكن أن تصادف أحد الأطراف كانت غير موجودة، فمثلاً
مسألة هروب العاملة، والكثير من العقوبات التي كانت غير مناسبة للمخالفات
المرتكبة... وتابع: وبعد التطبيق العملي والفعلي للقرار 108 الذي وضع
بإشراف الوزيرة السابقة للشؤون الاجتماعية والعمل وبعد المتابعة مع المكاتب
الخاصة باستقدام العاملات والجهات المسؤولة تبين لنا أن هناك الكثير من
الأمور غير واضحة ولابد من توضيحها، وبعض المسائل التي لابد من طرحها
للنقاش والتي يمكن أن يحتضنها المشروع، أي مشروع القانون الجديد لاستقدام
العاملات الاجنبيات.
فمن ناحية الكفالة النقدية، هناك مقترح لتخفيض مبلغ الكفالة النقدية التي
يفرض على المكتب تقديمها قبل الترخيص له، والنظر في إمكانية تجزئتها إلى
جزء مصرفي وآخر نقدي، وأيضاً وضع القواعد والنظم التي تحدد التزامات وحقوق
جميع الأطراف ذات الصلة بمهنة استقدام واستخدام العاملات (المكتب –
المستفيد – العاملة) ولاسيما في ظل غياب تحديد واضح لالتزامات كل طرف بموجب
النظام الحالي المعمول به وأيضاً ما يمكن تعديله وسوف يدرس لإعادة النظر
بمبلغ الغرامة المالية المفروضة بحق المستفيدين والبالغة 100 ألف ليرة في
حال تأخرهم عن استكمال إجراءات ترخيص العمل والإقامة للعاملة وإيجاد صيغة
واضحة تعرفهم بمسؤوليتهم وتحديد الحقوق والالتزامات لكل الأطراف في حال
هروب العاملة خلال فترة عملها وإمكانية السماح للمكاتب بافتتاح فروع في
المحافظات.
تعديل جزئي
أما كيف سيكون الترخيص للمكاتب في مشروع القانون، (قانون استقدام العاملات الجديد) فقد أجاب معلا:
ليس هناك تعديل جذري بل هناك شروط جديدة مطلوبة من طالب الترخيص، وهي طلب
ورقة غير عامل إضافة إلى الأوراق الثبوتية الموجودة سابقاً، ويمكن أن يتم
الكشف على العقار أو المكتب من قبل المحافظة أو الوحدة الإدارية المختصة
بدلاً من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
غير منصف
من جهتها، (لارا زيود) صاحبة مكتب لاستقدام العاملات الأجنبيات قالت: عملنا
نحن وبقية المكاتب في المحافظة في الفترة الأخيرة على التواصل مع وزارة
الشؤون الاجتماعية والعمل وغيرها من الجهات المختصة للنظر في تعديل القرار
108 على نحو يتناسب مع متطلبات المهنة وآلية التعامل والعمل في المكاتب...
أما الصعوبات التي واجهتنا بسبب القرار السابق فهي كثيرة وحاولنا أن
نتفاداها ولكن بعض الامور وما فرضته الظروف من صعوبة في التطبيق حالا دون
ذلك.
وتابعت (زيود): ما نريده من مشروع القانون الجديد هو إعادة النظر في المهلة
الممنوحة للمكتب والمستفيد لترتيب التنازل عن العاملة والمحددة بثلاثة
أشهر ومرة واحدة... نحن لا مشكلة لدينا ( في المرة الواحدة) ولكن الفترة
المحددة قصيرة ونطلب تحديد فترة أطول ونريد توضيحاً لبعض الحالات التي لم
تكن واضحة مثل: تحديد مفصل وعلى نحو دقيق لبدل أتعاب المكتب بما يتضمن كل
المصاريف التي يتحملها المكتب لاستقدام العاملة ونريد تحديداً أكثر وواضحاً
للمسؤوليات التي يجب أن يتحملها المكتب، ونطلب إعادة النظر في مبلغ
الغرامة المالية المفروضة بحق المستفيد والبالغة مئة ألف ليرة في حال تأخره
عن استكمال إجراءات الإقامة للعاملة يوماً واحداً بعد (15يوماً) وهنا ربما
تصادف المستفيد ظروف تحول دون إتمامه الإجراءات خلال الفترة المحددة
بـ(15يوماً) ويفضل في هذه الحالة أن يتم التعامل معه وفقاً لـ(النسبة
والتناسب)، أي يدفع المستفيد غرامة تصاعدية في حال التأخر عن المدة
المحددة، حيث يدفع عن كل يوم تأخير مبلغاً معيناً، وفي حال تأخر يوماً آخر
يدفع مبلغاً أكثر من المدفوع في المرة الأولى، ونطالب بأن تبسط الإجراءات
التي يجب القيام بها، فمثلاً في حال أنهت العاملة فترة العمل عند أحد
المستفيدين فلا يجوز أن تُعطى لمستفيد آخر حتى تأتي الموافقة على التنازل،
وهذا يأخذ وقتاً طويلاً، ونطلب حصر تعامل المكتب مع جهة واحدة في أي موضوع
أو أي أمر، فمثلاً عندما يتم تقديم أي شكوى على العاملة من قبل المستفيد
يتدخل في الموضوع أكثر من جهة، ولا ندري مع من نتعامل وكيف سنتعامل، ومن
الطرف المسؤول عن الموضوع؟ وفي نهاية المطاف يقع عبء التحمل والمسؤولية على
المكتب، فهل لأنني (قطاع خاص) تكون حقوقي غير محمية، ويجب أن أتحمّل أي
خطأ يرتكبه الغير.
(أنغام المصري) عضو مكتب تنفيذي في اتحاد عمال دمشق قالت:
الخدمة المنزلية عمل ليس له ترتيب في قانون العمل، وتالياً الخدمة خارج
التغطية القانونية والحماية، والعمل بالنسبة للقادمات من الخارج يعني
استرقاقاً، والعاملة الأجنبية التي تأتي من بلدان متعددة ومختلفة من حيث
عاداتها وتقاليدها وأفكارها عن عادات بلادنا تشكل خطورة ولاسيما بالنسبة
للأطفال من خلال ما تحمله من ثقافة مغايرة لثقافة بلدنا، فضلاً عن ذلك فهي
معرّضة (أي الخادمة) للخطر أيضاً، فهي تعامل كسلعة مبيعة بين المكاتب
الخاصة بتشغيل العاملات وقد يدفعها المستفيد الذي تعمل عنده للقيام بأعمال
دونية من دون مراعاة مشاعرها وإنسانيتها، وهذا فيه تكريس للحالة الطبقية
(من يملك المال يملك البشر) وهنا من الضروري إيجاد حماية قانونية لحمايتها
من المكتب الذي يلعب دور السمسار، وأن تشرف عليها وزارة العمل، وإذا كان
المقصود بالعمل المنزلي تخفيف عبء عن المرأة العاملة أو المرأة المسؤولة
والمحكومة بظروف ما فتمكن الاستعاضة عنها بالاعتماد على الأسرة الممتدة،
كالجدة مثلاً يمكنها تربية أبناء أولادها تربية سليمة، وبذلك، تكرّس ثقافة
المجتمع وتحيي قيم الأسرة وضمان الاستمرار لها، أو يمكن الاعتماد على
(الحضانات لرعاية الأطفال)، وفيما يخص الأمور الأخرى فتمكن الاستعانة
بالأسواق نصف المصنعة التي تقدم منتجات شبه جاهزة للطبخ وحتى الاستعمال
والاستخدام المباشر.
ماذا يقول القانون؟
ومن جهته المحامي (ناصر عنقة) قال: على الأغلب التشريعات الجديدة تظهر
عيوبها عند التطبيق الفعلي، ولا عيب في تعديلها على نحو يتلافى النواقص
والأخطاء، ولكن العيب في بقائها مدة طويلة قيد التطبيق، ومن ثم إذا تم
استدراك كل الأخطاء في التعديل الجديد سيكون أقرب إلى العدالة لجميع
الأطراف المعنية، والتشدد في العقوبات المفروضة عند مخالفة القانون الجديد
سيكون له تأثير إيجابي في انتظام العمل.
وبدوره المحامي (أحمد خليل) قال: القرار /108/ كان فيه الكثير من الأخطاء
والكثير من الأمور والبنود غير الواضحة والمحددة لكل الأطراف، والمطلوب في
المرحلة القادمة عند وضع المشروع الجديد لقانون الاستقدام هو وضع مفاهيم
واضحة، وتحديد الآليات المطلوبة ووضع القواعد الناظمة التي تكفل الحقوق
والواجبات لجميع الأطراف (المستفيد- المكتب- العاملة) ومن الأفضل في رأيه
إنشاء (صندوق ضمان) يوفّر حلاً للأطراف في حال حدوث طارئ أو نزاع. وصندوق
الضمان هذا سيؤمّن لكل ذي حق حقه ضمن قواعد وشروط معينة.
ليسَ آخراً
طُبق على الرغم من احتضانه الكثير من البنود الخاطئة وغير المنصفة، وربما
تطبيقه والعمل به لم يكن مطلب الجهات التي طبقته ثلاث سنوات وهو القرار
/108/، ومن أراده ومن وضعه هو فقط يريد أن يكون المستفيد الأول والأخير.
فهل سيستطيع مشروع القانون الجديد أن يتلافى ويتجاوز ما أفسده القرار /108/؟