«البيان» في المركز الاجتماعي لملاحظة الأطفال بمنوبةسرقة.. قتل.. مخدّرات وقضايا جنسيّة أبطالها أطفالاسترقت الأعين الطفولية النظر إلينا
ونحن نعبر الممرّ الذي يفصل مكتب الأخصائية النفسية عن المطبخ.. فتاتان هما
حصيلة هذا الشهر في الوحدة الخاصة بالفتيات بالمركز الاجتماعي لملاحظة
الأطفال بمنوبة.. دار حديثنا عنهما همسا في مكتب الأخصائية النفسية
والأسباب التي كانت وراء إرسالهما إلى هنا لتكونا تحت الملاحظة... ولتكونا
أيضا موضوعا للتقرير الذي سيرفع بعد شهر ليرافقهما إلى قاضي الأطفال..
لم يسمح لي بالتحدث لإحدى الفتاتين..
احترمت خصوصية حالة لم يبتّ القضاء فيها بعد.. في المطعم المجاور كانت أعين
الأطفال الذكور «الجانحين» ترقباننا بتعجب ونحن نلقي السلام، لم تتوقف
الأفواه عن مضغ طعامها.. تسرّبت بعض الابتسامات إلى الأعين.. تلتها وشوشات
تتساءل عن سر وقوفنا ومراقبتنا لهم.. ورغم اختلاف الأعمار، فإن بعض الأعين
كانت تشي ببراءة أصحابها، وغرابة ذلك الفاصل في حياتها.. الفاصل الذي حملها
إلى هنا لتكون موضوعا للملاحظة.. وللتقويم.. في انتظار غد مجهول.. قد
يأخذها إلى مراكز أخرى.. أو إلى حياة مغايرة..
طارق البوغانميلا يبدو الباب الخارجي للمركز بريئا من
الإيحاءات التي تجمعه بأبواب سجون زرتها سابقا في تحقيقات سابقة، فالباب
الحديدي الأزرق الكبير، والأسوار العالية ترافقك إلى الداخل في شكل أفكار
مسبقة عن واقع أطفال جلبوا إلى هذا المكان الذي وقع إحداثه سنة 1993.. لكن
الدّاخل يبدو مغايرا، فالفضاء هنا (والذي كان ضيعة فيما سبق) لم تأخذ
البناءات من اتساعه الكثير، يحتوي على إدارة ووحدتي عيش للفتيان وأخرى
للفتيات بطاقة استيعاب 55 طفلا (40 للذكور و15 للفتيات)، كما يعمل في
المركز الاجتماعي لملاحظة الأطفال بمنوبة 4 أخصائيين اجتماعيين وأخصائية
نفسية وقرابة الـ9 مربين إلى جانب أعوان الرعاية ومتعهدي العمل الليلي.
ظاهرة العنف الإجرامي لدى الأطفال قد تخضع لفصول السنة .. وللتطور التكنولوجي أيضا...
معالجة حالات خصوصيةفي مكتب مدير المركز الاجتماعي لملاحظة
الأحداث السيد فرج الدريدي والذي عيّن بعد 14 جانفي بعد رحلة عمل طويلة في
المناطق الداخلية، شرح لنا هذا الأخير دور المركز الذي يتمثل في معالجة
حالات خصوصية، ويعدّ المركز حسب تعبيره آلية موضوعة على ذمة قضاة الأطفال
من أجل مراعاة مصلحة «الأطفال الجانحين»، والتعامل معهم على أساس التورط في
جريمة أو (شبهة)، إذ لا يمكن وضع الفئة العمرية ما بين 13 و18 سنة في
إصلاحية لأن لا مسؤولية جزائية لها، ويودع في المركز لمدة شهر فقط قابلة
للتجديد لمدة شهر آخر، حيث تقع عملية الملاحظة والاختبار من قبل فرق متعددة
الاختصاصات، تنهي عملها بتقرير يرافق الطفل صحبة ولي أمره إلى المحكمة حيث
يقف أمام قاضي التحقيق وقاضي الطفل، ويمكن أن يتضمن التقرير حسب تأكيد
السيد فرج الدريدي مقترحا عن الأسباب التي كانت وراء جنوح الطفل، وأن كانت
الجنحة تمت على أساس انفعالي أم عدواني،
ويشير الأخصائي الاجتماعي للمركز السيد
محمد اليعقوبي أن الطفل الجانح يوضع في النهاية أمام 3 خيارات، فإما أن
يسلم لأهله، أو يودع بمركز إصلاح تربوي أو يمددّ له في المركز لمدة شهر آخر
لمتابعة حالته أكثر..
فيما يؤكد السيد فرج الدريدي أن التقرير
الذي يصوغه المركز لا ينبني على عاطفة قد تتأثر بالظروف الاجتماعية التي
صاحبت الطفل وأوصلته إلى هذه المرحلة، وإنما عبر مقاربة معدّدة الاختصاصات،
والتوقف عند مصلحة الطفل الفضلى...
حالات اجتماعية...وحسب تقديرات المركز فإن أكثر من 90 %
من الحالات التي تصل إلى هنا تكون حالات اجتماعية معوزة، وقادمة من وسط
فقير، ويوفر المركز للأطفال إلى جانب الأكل والنظافة، نظام إقامة مغلقا
مغايرا لما يشبه السجن أو الإصلاحية حسب تأكيد مدير المركز، تتضمنه نشاطات
تراعى فيها ضوابط لا بدّ من احترامها.
ويشير السيد فرج الدريدي أن أهم
الصعوبات تلك التي تتعلق بالأطفال المتمدرسين الذين يقع إرسالهم إلى المركز
خاصة تلاميذ التاسعة أساسي (النوفيام)، - وهو ما وقع المطالبة به مؤخرا -
عندما سمح لأحد الأطفال بأن يخرج لإنهاء امتحاناته على أن يحضر الجلسة
لمتابعة قضيته وهو ما كان غير مسموح به مطلقا خلال النظام السابق.
كما يؤكد محدثنا أن من اصعب الحالات
التي وصلت المركز تلك التي يكتشف فيها الطفل أنه وقع التخلي عنه من طرف
عائلته وانه غير مرغوب فيه، وهو ما يحمل المركز كامل مسؤولية رعايته،
وينعكس سلبا على الطفل إذ ينغمس في سلوكات مضطربة.. كما استقبل المركز
حالات من SOS قمرت تنتمي لعائلات ذات ولي واحد، أو ام لها عدد كبير من
الأبناء وتلتجئ للتخلي عن أحدهم، أو من علاقة خارج إطار الزواج، أو عائلة
تنفر الطفل أو عائلة عاجزة، ويضيف السيد فرج الدريدي انه رغم وجود روابط
مشتركة بين عديد الأطفال الوافدين على المركز كالتبني او اكتشاف حقيقة
النسب، أو ممن يعانون من حالات مفرطة من الحماية (الدلال)، فإن ردة فعل
الاطفال تختلف.
وتبدو حالة أحد الأطفال من ولاية صفاقس
معبرة، وهو الذي يبلغ من العمر فقط 14 سنة، لكنه يعاشر من هم أكبر منه سنا،
ويتكلم لغتهم، ويعيش تفاصيل عالمهم بكل ما فيه من سوء.. حتى أن العمل
الأكبر كان إعادة عمر هذا الطفل إليه، هو الذي يساعد عائلته بقوت يومه..
ولا يمكن انتظار شئ من عائلته..
كما أن الوضعية الاجتماعية المعوزة
والوسط الفقير لا يكونان دائما سببا وراء جنوح طفل أو فتاة، فإحدى الفتيات
في المركز والتي تبلغ من العمر 13 سنة فقط وتنمتي لعائلة ميسورة الحال، غير
ان الدلال المفرط، جعل عائلتها تتركها مع حاسوب محمول، أدى بها إلى لقاءات
على الانترنات، تحول فيما بعد إلى محادثات ولقاءات جنسية!!!
12 طفلا.. وفتاتان.. وقضايا مختلفة..تلك هي حصيلة الأطفال المتواجدين حاليا
في المركز، ويشير السيد فرج الدريدي إلى أن المركز لا يتحمل مسؤولية تراجع
هذه النسبة فالمركز كان يستقبل سابقا الأطفال المهددين، وقد أصبح هذا الأمر
من اختصاص مركز الرعاية الاجتماعية بالزهروني، إضافة إلى أن عدد الأطفال
بالمركز يتعلق بنشاط رجال الأمن والقضاة في هذا المجال، من خلال القبض على
الأطفال الجانحين واستصدار قرار قضائي بتورطهم في قضية، وعندما يقع إرسالهم
إلى هنا، ويضيف محدثنا أن هناك مقترحا بإرسال كل الأطفال المورطين في
قضايا من النيابة العمومية إلى مركز الملاحظة مباشرة، وعندها بالإمكان
إضافة مركز آخر في صفاقس، وتفعيل دور هذا النوع من المراكز أكثر، وتعميم
الإضافة التي يقوم بها في ملاحظة الأطفال الجانحين واختبارهم ومحاولة
علاجهم.
أعراض نفسيّة مضطربة تصاحب الأطفال الى المركز...
ومن بين القضايا التي يتورط فيها
الأطفال من فتيان وفتيات من الوافدين على المركز هنا السرقة وخاصة المنتمين
إلى الأسر الفقيرة، والعنف (البراكاجات..)، وقضايا المخدرات والمواد
المخدرة، والقتل، إضافة إلى الاعتداء على السلف (أي الوالدين..) والاعتداء
على موظف أثناء أداء مهامه، وتضاف إلى الفتيات قضايا الزنا والبغاء
السري... ويضيف السيد فرج الدريدي أسبابا أخرى كشرب الخمر والهروب من
المنزل، ومحاكاة المنحرفين والتسكع واستفزاز الغير ....
ويشير الأخصائي الاجتماعي محمد اليعقوبي
إلى أن المركز استقبل سنة 2009 -229 طفلا، وفي سنة 2010-246 طفلا، وفي
2011 لم يستقبل سوى 92 طفلا فقط نتيجة الظروف الأمنية التي عاشتها البلاد،
كما استقبل هذه السنة وخلال الأربع أشهر الماضية 59 طفلا، وشهد المركز منذ
إحداثه بعض محاولات للفرار حسب محدثنا نتيجة عدم تقبل بعض المراهقين خاصة
العائدين منهم للبقاء في المركز، ومن بين الاستنتاجات التي وصل إليها
المركز أن ظاهرة الفعل الاجرامي قد تخضع احيانا للفصول، إذ تكثر في الصيف
مثلا عمليات النشل والبراكاجات في البحر والاعتداء على الاخلاق الحميدة،
كما ترتبط الحالات القادمة إلى المركز أحيانا اخرى بالمقابلات الرياضية
الهامة كمقابلات (الدربي) في العاصمة، كما يمكن ان تتطور نوعية الجنوح
بتطور التكنولوجيا كتلك المتعلقة بالهواتف الجوالة وبشبكات الانترنات.
ويشير القيم والمربي المختص محمد عادل
بوقصير الذي قادنا إلى مختلفة ردهات المركز، إلى أن القضايا تعاد بطريقة أو
بأخرى عبر الأطفال الوافدين إلى هنا بقصصهم وحكاياتهم، لكن طرق التدخل هي
التي تختلف، ورغم جزمه أن إيقاع العمل تراجع بعد 14 جانفي لأسباب مختلفة،
فإن التعامل مع الاطفال في المركز يبدو هيّنا في مجمله، لأن طور ما قبل
الحكم الذي يعيشه هؤلاء يطغى عليه الجانب التمثيلي، إذ أن أغلبهم يدرك جيدا
قصر المدة التي سيقضونها هنا، مع أهمية التقرير الذي سيرافقهم والذي
سيراقب شخصياتهم ويحدد دوافع انحرافهم.
جولة في المركز..تنقلت البيان بين وحدات العيش الخاصة
بالفتيان، والتي كانت معدة بشكل جيد، وأشبه بفندق صغير، ساهم عدد الأسرة
المحدود ـ ربماـ في نظافته وبريقه.. عبرنا الساحة حيث بني في أحد جوانبها
ما يشبه المسرح الأثري، حيث تقام بعض العروض للأطفال، وفي الجانب الآخر
ملعب لكرة قدم، وتوجهنا نحو وحدة العيش الخاصة بالفتيات والتي وقع إضافتها
حديثا للمركز، والتي كانت بطاقة استيعاب أقل، وبنظافة وتنظيم مماثلين
لوحدتي العيش السابقين للفتيان..
ورغم أننا لم نستطع التحدث إلى
الفتاتين، إلا أن المربية مفيدة بن جدو التي تعمل في المكان منذ 4 سنوات
أكدت للبيان أن عدد الوافدات لم يتجاوز الـ 4، وأغلب قضاياهن متعلقة
بالأخلاق الحميدة، والبغاء السري والعلاقات المشبوهة، مضيفة أن التعامل مع
الفتيات يكون أصعب مقارنة بالأولاد الذين يفكرون دائما في التقرير الذي
سيرفع ورغم ذلك فقد نجحنا في التأثير على شخصيات بعضهن، وحملها على التغير،
وأضافت المربية مفيدة بن جدو إلى أن عملها يستدعي مرافقة الطفل في زيارات
العائلة لفهم طبيعة العلاقات بينهما، وأي من أفراد العائلة يكون أقرب
للطفل، ومساعدا على فهم شخصيته.
كما تؤكد الأخصائية النفسية مديحة بوشير
إلى أن المركز استقبل حالات نفسية مضطربة، تعاني من أعراض خوف وقلق وتوتر،
كما أن القادمين من الإصلاحية يكون سلوكهم في حالة فراغ ويكون ذلك عنصرا
مساعدا في أحيان كثيرة، ويعمل المركز على تشخيص الوضعية الاجتماعية
والنفسية لانارة القضاء، وتضيف المرشدة الاجتماعية نبيهة باجي إلى أن الفرق
التابعة للمركز تعمل على فهم الظروف الاجتماعية والنفسية المحيطة بالطفل،
وتحاول ربط خيوط الصلة بينه وبين عائلته حتى يتم التحاور والمصارحة والدفع
في اتجاه اسلوب تربوي مغاير للعائلة.
الوضعية الدراسية للمحالينعلى المركز (2009)- متمدرس: 16.6 %
- بصدد التكوين: 10.4 %
- منقطع أو عاطل عن العمل 73 %
حالات العود- مبتدئ: 89 %
- العود: 2 %
- سبق وإن اودع الاصلاحية ولأول مرة بالمركز: 8.8 %
توزيع الأطفال حسب السن16- % أقل من 16 سنة
- 84 % بين 16 و18 سن