العالم المتاح والحيرة

العالم المتاح والحيرة

لم نكن نعرف الشريط الاخباري -السبتايتل- قبل طوفان الفضائيات وغزوها
المحيّر لعالمنا الذي كان عائما على قشّ المعلومات القادمة تقطيرا من مصفى
إعلاميّ شديد الحذر والخوف من تسرّب ما لا يريده الاعلام الموجّه. الأخبار
البرقية السريعة المارقة أمامنا جعلتنا نرصد العالم وتحوّلاته السريعة
متجولين من أفق إلى أفق آخر , نترقّب التفاصيل التي نريدها , ونروّض الفضول
الذي يعترينا للذهاب إلى الجملة التي تشدّنا في الشريط الاخباري السائر
أمامنا برشاقة وصمت , كي نتبعها بما يغنيها من معلومة متكاملة في نسق فضائي
آخر , وربما في قنوات أخرى , نتنقّل بينها , حدّ أن يدمن بعضنا قنوات ٍ قد
لا يعرفها آخر غيره , بسبب الوفرة والكثرة والتعدد , بينما كانت تجمعنا في
السابق نشرة أخبار واحدة ذات صياغة تنطوي على أهداف إعلامية محددة , كما
كان يجمعنا مسلسل درامي واحد , وإصغاء مشترك لأغنية دون غيرها . هكذا , صار
العالم متاحا , مسفوحا بين أيدينا , بل مباشرا , هاهم يصادون حوتا ضخما,
وهاهم يلقون القبض على شخصية مؤثرة , وها هو نجمنا يستجم مع حبيبته , وهاهي
الجماهير غاضبة تهتف , وهاهو النجم يهوي فيخلّف فينا حزنا قاسيا, وها نحن
نتجوّل في رحاب الدنيا , حتى تداخلت أوقاتنا , ولم يعد الليل موحشا في آفاق
أرقنا , فالقنوات مستمرة والعرض لا يتوقف , حتى للأفلام الخاصة بالأطفال!
وبعد , فإن هذه الخدمة التقنية الجليلة التي وفرتها لنا التكنولوجيا وخصوصا
في مجالات الاتصال , وتلقي المعلومة , صنعت فينا أخلاقيات جديدة وسلوكيات
مختلفة أثّرت حتى على هواجسنا ومشاعرنا وتفاصيل حياتنا , الأمر الذي ضيّق
فينا فسحة التأمل , ووسّع ثقافة الاستعجال والسرعة والاستفزاز , والصدى
المباشر لكل صوت مهما كان خافتا , فالفيس بوك , الذي يصفعك بالرأي المباشر
الذي لا حدود فيه , ولا ضوابط , ولا صلاحية نشر من أي وجه كانت , لتجابهها
بكل جدية , وبذات السرعة وربما بدون مراجعة , فتلقي ردك عليها وتمضي بين
أكداس الآراء والردود والانفعالات. لقد شهد لنا تاريخ الأدب والصحافة معارك
ثقافية في غاية النضج والاثارة , وهي معارك تفصح عن قدرة أطرافها في الحجة
والحوار والحديث والدفاع عن الفكرة بأناة ودقة وحرفيّة عالية , وكان
المجتمع الثقافي يراقب الطروحات المطوّلة العميقة لكل أطراف هذه المعارك
ويشعر بلذة وفائدة وجمالية خاصة تتمثل في الشخصيات التي تخوض هذه المعارك
الخالدة , وكانت على شكل مقالات مكتوبة باليد , تتم مراجعتها من قبل كاتبها
, ثم تقدّم للمطبوع الثقافي المعنيّ بنشرها , فتجري عملية تحريرها ونشرها
متكاملة , لتواجه بذات الأسلوب الفني والتقني , من الآخر , وهكذا ببطء ,
ورويّة , نعم لقد كانت الأساليب والأدوات بدائية , لكنها كانت خالصة محميّة
بأصول الكتابة وفنونها ودقة أدائها , لا على عجالة , قد تبنى على مفاهيم
خاطئة ومعلومات غير صحيحة , وتؤدى بلغة متشنجة تحفل بالأخطاء النحوية
والاملائية , كما أنها تخرج من الذهن مباشرة إلى الضوء وبسرعة لا تحتمل
التأمل والأناة والمراجعة. نعم لكل ما جادت به التقنية الحديثة لأنها سهّلت
كل شيء , وحققت لنا التواصل المثير في حياتنا , ولكن علينا أن نجعل
الفائدة مثمرة من هذه الخدمة الجليلة وأن لا نحتكم لثقافة السبتايتل في
التعامل مع قضايانا الثقافية , لأن هذه الثقافة سريعة متعجلة سرعان ما
تختفي وتزول.

موضوع رااائع جدا ثار انتباهى بكل حروفه
و اكيد مهما تقدمت التكنولوجيا تكون حياتنا سريعة
و الفائدة تكون قليلة جداً منها و تكون الحيرة اكبر
رائع و مهم جدا موضوعك
تسلمى همس و يعطيكِ العافية على مجهودك الكبير
تحياتى لكِ

طرح جميل منك
فقد اصبحنا في عصر السرعة واختصار الوقت
وكل يوم جديد في اختراع جديد وفكرة جديدة

تحياتي الك

نااااااااااااااااااادر

ميرناااااااااااااااااا

شكرا لمروركم وتتفاعلكم واستمتاعكم بالموضوع

دمتم بالفرب ,, تحياتي لكما

» رمضـآن حول العالم
» أغلى لاب توب في العالم
» فنادق رومانسية حول العالم
» " الرسم على الجدرات حول العالم "
» أفضل 10 مطارات فى العالم ..~

العالم المتاح والحيرة

العالم المتاح والحيرة

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة