لأننا محكومون بهما
قارئة الفنجان ... بائعة الأمل والتفاؤل
في كل حضارات العالم القديمة ارتبط الإنسان بالروحانيات وحاول
جاهداً قراءة المستقبل والتنبؤ به، إلا أن ذلك فشل إلى هذه اللحظة، لكن
كلاماً معسولاً عن مستقبل مجهول سيدغدغ المشاعر حتماً .
بالطبع المشهد الذي بتنا نألفه في حياتنا حين نرى من يقرأ فنجاناً،
أو برجاً من الأبراج وحتى بصارة نثرت حجارتها على أرض خيالية، كل ذلك بات
مجرد بحث عن أمل من نافذة ضيقة، يرى أصحابها أنها على الرغم من عدم صحتها
إلا أنها تخرجهم إلى خيالات زمردية.
وان كانت أغنية العندليب الأسمر (قارئة الفنجان) هي من أجمل أغانيه، إلا أنها لم تفلح في تخطي واقع لا مهرب منه وهو قراءة الفنجان.
«تشرين» أضاءت بعض خبايا ذلك الجانب الغامض، والتقت مع قارئة الفنجان أم
طارق المعروفة لدى حي دمشقي كامل، فهي صديقة لكل سيدات الحي وتعد زيارتها
في الصباح لقراءة الفنجان مثل وجبة الفطور الصباحي التي تواظب عليها أغلب
السيدات.
تحدثنا إليها (أم طارق) وطلبنا منها كشف أسرار قراءة الفنجان فتحفظت على
بعضها وتحدثت عن بعضها مبررةً حب السيدات لذلك فقالت: إن قراءة الفنجان
عادة قديمة مرتبطة بسيدات المجتمع الشرقي ارتباطاً وثيقاً لأن تاريخنا
وماضينا قائم على الجمال والتراث والعاطفة، وبسبب الحب والعاطفة الموجودين
في مجتمعاتنا نلاحظ إيمان بعض السيدات (بطقوس معرفة المستقبل) فمنهن من
يعبرن عنها بتفسير الأحلام، ومنهن من يؤمن بالأبراج، ومنهن من يثقن بقراءة
الكف أما الشريحة الأكبر منهن فيؤمن بكل تلك الطقوس.
وعن مصداقية قراءة الفنجان أضافت: إن سرعة شرب القهوة وطريقتها واهتزاز
اليد وهي تحمل الفنجان تفيدني في قراءة الفنجان، لكون السائل يتشكل داخل
الفنجان وفق حركة اليد وسرعتها وهذا يفيد في معرفة نفسية السيدة إلى حد ما.
وقالت: أولاً يفضل أن يتم شرب القهوة بالفناجين البيضاء العادية وليس
بالكؤوس، وبواسطة الإبهام والإصبع الوسطى نطلب قلب الفنجان على الصحن، وبعد
مضي 4 دقائق على قلب الفنجان، نقوم بقراءته من خلال عدة قواعد، أولها
أننا نقسم قعر الفنجان إلى أربعة أقسام حيث يمثل الربع الأيمن العلوي المال
ومن خلال بعض الرموز الموجودة نعرف الوضع الحالي لشارب الفنجان، فعلى سبيل
المثال وجود شكل مزهرية تخرج منها أوراق خضراء، نفسره على أنه مال سيأتي.
والربع الأيسر العلوي يعني المستقبل وفيه نرى إن كان يوجد مستقبل جيد
للشارب مثلاً الشمس تمثل مستقبلاً مشرقاً وكذلك الشموع أو الطرق المفتوحة.
في حين يمثل الربع الأيسر السفلي من الفنجان الحالة الاجتماعية للشارب ويجب
أن يكون السائل (القهوة) مستقراً ونقياً وليس فيه الكثير من التعرجات
والمربعات ليكون ذلك جيداً.
أما الربع الأيمن السفلي فيمثل الجسد، فعلى سبيل المثال يظهر الرجل في هذا
الربع على شكل خيط أو قوس، أما المرأة فعلى شكل ثوب عريض له رأس وهي دلالة
على الأنوثة.
وبالنسبة لوجود العلم في موضوع تبصير الفنجان قالت أم طارق: أنا تعلمت
التبصير من جدتي ومن بعض الكتب التي تتحدث عن علم التبصير وبرأيي كما أسلفت
سابقاً أن موضع حركة الفنجان واهتزاز السائل في داخله تدل على نفسية
الشارب أو الشاربة، أما الرسومات الموجودة داخل الفنجان فهي تشكل وفق تصور
ذهني للقارئ، وهذا ما يجعل القارئة تشاهد ما تريد أن تشاهده، لكن القاعدة
الأساسية في قراءة الفنجان هي منح الشارب أو الشاربة الأمل والطلب منه أن
يبصم بإبهامه على قعر الفنجان لكي يبقى يفكر بالأمل، وهذا مفيد فإن منح
الأمل حاجة ضرورية للاستمرار وهي حقيقة وليست وهماً فنحن محكومون بالأمل.