عبد الله الجعيثن

لنا أكثر من ثلاث سنوات نعاني من كائن مزعج ثقيل.. يصبّحنا ويمسينا.. ويدخل البيوت والصدور والعيون.. ولا يعرف الأدب.. ولا الهدوء.. ولا الاستئذان.. يحاصرنا إن دخلنا وإن خرجنا.. في منازلنا وشوارعنا ومدارسنا وأنوفنا وعيوننا وفي كل مكان..

وهو سريع الدخول بطيء الخروج، يدخل الصدر في غمضة عين ولا يخرج منه إلا بعد حين، وحين..

بغيض القدوم ثقيل الجثوم.. يجثم على قلوبنا ويملأ آذاننا وعيوننا ووجوهنا ويكتم أنفاسنا ويعكر أمزجتنا وأجواءنا ويصر على أن يلازمنا ملازمة الدائن الُملِح للمدين المسكين.. مع أننا لسنا مدينين له بشيء ولكنه بلانا وابتلانا ونغَّص علينا وحدتنا ولقاءنا..

لا شك أنكم عرفتم هذا الضيف الوبيل الثقيل الذي حل على معظم مدننا وقرانا - وخاصة الرياض الحبيبة - أكثر من ثلاث سنوات متواصلة يُحيل خلالها السعادة إلى شقاء والانشراح إلى ضيق والصحة إلى مرض والنهار إلى ليل، إنه هذا الغبار الكثيف المخيف الذي يهب علينا من كل الجهات وفي مختلف الفصول والأوقات وفي الشتاء والصيف والربيع والخزيف.. أصبح الغبار جزءاً من أجوائنا كأنه الأمطار في أجواء لندن..

ولا شك أن هنالك أسباباً علمية لهذا التغير الكبير في الجو.. فلم نكن نعهد الغبار بهذه الكثرة والوفرة وقد يكون من بين الأسباب الجفاف وقلة الأمطار وكثرة الحفر والدفن والبناء والهدم..

نأمل من حماية البيئة.. ومن البلديات ووزارتي الزراعة والصحة والجامعات دراسة (ظاهرة الغبار الكثيف المخيف) الذي كاد يصبح جزءاً منا.. دراسة آثار التصحر والجفاف.. وضع حواجز كافية أمام مشاريع الحفر والدفن والبناء والهدم.. الإكثار من الحدائق والأشجار.. وعمل كل ما من شأنه تخفيف وجود هذا الضيف الثقيل..

إنه يختلف عن ذلك الغبار الصحراوي الذي وصفه شاعر بليغ وهو يرى حماري وحش يركضان:

(يتناوبان من الغبار ملاءة

بيضاء محكمة هما نسجاها

تُطوى إذا وردا مكاناً محزناً

وإذا السنابك أسهلت نشراها)